معاشر المسلمين: يقول ربكم تعالى: ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً.
يقول الإمام ابن كثير: "كرّم فجعله يمشي قائما منتصبا على رجليه ويأكل بيديه، وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه، وجعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً يفقه بذلك كله وينتفع به.."أهـ.
فمن تعاطى بارك الله فيكم هذه المخدرات المسكرات فقد لحق بأمة الحيوانات ولم يكرم نفسه التي كرّمها الله؟ وأعظم نعمة في الإنسان هي نعمة العقل، الذي جعله الشرع مناط التكليف، فلهذا فالمجنون غير مكلف، والعقل نور، به يفكر الإنسان ويخترع وينتج ما لا يقدر عليه الحيوان أبداً، وقد مدح الله أصحاب العقول والألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار.
وذم في المقابل من طمس على عقله فلا يريد الإصلاح ولا الصلاح، حيث قال تعالى: إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون.
وقال كذلك: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور.
واعلموا رحمكم الله أن حفظ العقل من أعظم مقاصد الشرع الخمسة، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسب وقيل العرض ، فالشرع جاء لحظ العقل ونهى ومنع عن الإخلال به، بل رتب العقوبة على ذلك، فقد حرم الخمر وكل مسكر مفتر ويدخل فيه المخدرات، وعاقب من تعاطها بالجلد، وحكمة تحريمها هو ما فيها من المفاسد، ومنها ما ذكرها الله حيث قال: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتبنوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم والعداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون.
فبين الله مفاسد الخمر، فهي رجس أي خبيثة مستقذرة، وأنها من عمل الشيطان، وتوقع العداوة والبغضاء بين الناس وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة وترك الصلاة، من أعظم المفاسد في الدين.
والمخدرات أشد خطراً، والعبرة بالمعنى لا بالمسميات فقد نهى النبي عن كل مسكر ومفتر، والمفتر هو ما يجعل الأعضاء تتخدر وترتخي، وهذه العلة موجودة في المخدرات.
أيها المسلمون: ربما قائل يقول إن المخدرات ليست حراماً، وليست خمراً، ولا يوجد دليل على تحريمها، فإذن ما هو حكم المخدرات؟
فالجواب:
1- قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر قال العلماء: الخمر سميت خمرا لأنها تخمر العقل وتستره وتغطيه، وتفسد إدراكه والعاقل من الناس يرى أن ما تحدثه المخدرات أشد وأشد مما تحدثه الخمر.
حتى قال أهل العلم: "إن من قال بحل الحشيش زنديق مبتدع".
2- وقال تعالى: ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث والعاقل من الناس لابد أن يضع المخردات في صف الخبائث لا في صف الطيبات.
3- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: ((كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام)) [رواه مسلم]. وقال : ((إن من الحنطة خمراً، ومن الشعير خمراً، ومن الزبيب خمراً، ومن التمر خمراً، ومن العسل خمراً، وأنا أنهى عن كل مسكر)) [رواه أبو داود].
وعن وابل الحضرمي أن طارق بن سويد سأل النبي عن الخمر يصنعها للدواء فقال: ((إنها ليست بدواء، ولكنها داء)) [رواه مسلم].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "هذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها، ومستحلوها الموجبة لسخط الله تعالى وسخط رسوله وسخط عباده المؤمنين، المعرّضة صاحبها لعقوبة الله، تشتمل على ضرر في دين الإنسان وعقله، وخلقه وطبعه وتغيب الأمزجة، حتى جعلت خلقاً كثيراً مجانين، وتورث مهانة آكلها ودناءة نفسه وغير ذلك ما لا تورث الخمر، ففيها من المفاسد، ما ليس في الخمر، فهي بالتحريم أولى، وقد أجمع المسلمون على أن السكر حرام، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً، لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.." أهـ.
وقال الحافظ ابن حجر: "إن من قال إن الحشيشة لا تسكر وإنما هي مخدّر، مُكابر فإنها تحدث ما يحدثه الخمر من الطرب والنشوة".
أما حكم زراعتها والمتجارة فيها فهو حرام باتفاق العلماء، وكل ما أدى إلى حرام فهو حرام، وقال تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. وقال : ((إن الله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)) [رواه البخاري ومسلم].
وقال كذلك في الصحيح: ((إن الله إذا حرم ميتاًً حرّم ثمنه)) ولهذا فإن أموال تجارة المخدرات محرمة، وهي سحت والعياذ بالله.
وللعلم فقد وصل استهلاك الأمريكيين للمخدرات ما قيمته 150 مليار دولار. أما في العالم فقد وصل ما قيمته 300 مليار دولار، بل قد وصل الحد إلى أن دولا وحكومات تعتمد في اقتصادها على المخدرات، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، وهذا يدل على فساد كبير في العالم الحديث.
ما حكم شارب المخدرات:
حكمه حكمه شارب الخمر لا فرق، ثمانون جلدة على قول أبي حنيفة ومالك ورواية على أحمد، وأربعون جلدة على قول الشافعي.
أما حكم من يزرعها ويروجها فأمره أشد يرجع إلى اجتهاد الحاكم، وفق مقاصد الشريعة وهو ما يسمى بالتعزير، أما الحبس أو الجلد أو القتل.
ودليل هذا قوله في الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن: ((من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب الرابعة فاقتلوه))، قال الإمام ابن تيمية: والقتل عند أكثر العلماء منسوخ، وقيل: هو حكم ثابت، وقيل: يفعله الحاكم تعزيراً لمن كثر فساده)) أهـ.
ما هي أضرار المخدرات:
فهي تضر بالدين وتنسي ذكر الله وتضيع على صاحبها صلاته كما تذهب الحياء والغيرة والمروءة، وتساعد على اقتراف المحرمات من السرقة والفواحش والظلم والقتل وعقوق الوالدين وغير ذلك من الصغائر الواقعة في الدين كما أن هناك أضرار بدنية واجتماعية، فهي تفسد العقل وتقطع النسل، تولّد الجذام والبرص وتجلب الأمراض وتحرق الدم وتضيق النفس وتفتت الكبد وتضعف البصر وتجلب الهمْ والوسواس وتخبل العقل، وتورث الجنون وقلة الغيرة حتى يصير آكلها ديوثاً، وتفسد المزاج حتى جعلت خلقاً كثيراً مجانين، وإن لم يجن أصيب بنقص في عقله، والمخدرات تفكك الأسرة وتضيع الأموال وفقد صاحبها القدرة على العمل والدراسة، وتكلف الدولة مبالغ مهمة في محاربتها.
أيها المسلمون: إن أعداءنا في كل مكان يخططون ولا يسأمون في ترويج هذه الحشيشة كي يدمّروا هذه الطاقة المتجددة في الشباب، ولكن لابد أن نقول: إن العيب ليس في أعدائنا فالأعداء هم الأعداء، ولكن العيب في أنفسنا، وفي ضعف تديننا، وعدم تعاوننا على الخير، وهو من الأسباب الكبيرة في انتشار المخدرات.
ومن الأسباب كذلك:
1- ظهور الفقر والبطالة في المجتمع وخاصة بين الشباب.
2- انتشار الفساد الأخلاقي والغزو الثقافي والفكرية عن طريق وسائل الإعلام الفاسدة التي تتحكم فيها الأيادي اليهودية.
3- عدم إدراك الشباب أن من أعظم مخططات اليهود في العالم هو نشر المخدرات بكل أنواعها في أوساط المسلمين حتى يبقى المسلمون في آخر الأمم.
4- عدم مراقبة الأولياء لأبنائهم فإن الرفيق السوء يفسد الأولاد.
5- ضعف الحكومات في محاربته عصابات المخدرات وهو راجع إلى الضعف المالي أو الضعف التقني.
أيها المسلمون: إن من أهم الطرق في القضاء على هذه الآفة القاتلة هو تقوى الله تعالى والتوبة إلى الله والإنابة إليه، والرجوع إلى الكتاب والسنة ففيهما كل الخير، قال تعالى: وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون والصلاة وكثرة الذكر ولزوم المساجد في أعظم وسائل التربية قال تعالى: وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم.
ويجب التعاون على محاربة المخدرات بكل وسيلة شرعية والتعاون مع الحكومات في ذلك لأن ضرر المخدرات عام فلابد من التعاون العام.
ولابد من إرشاد المجتمع بكل فئاته عن طريق وسائل الإعلام بأن المخدرات سم قاتل، ونحن نرى تقصيراً كثيراً في هذا الجانب الإعلامي.
ولابد من توفير فرص العمل والدراسة ومحاربة البطالة والفراغ في أوساط الشباب.
ولابد من تعريف الناس أن المخدرات من أعظم الذنوب وصاحبها ملعون، فعن أنس بن مالك قال: ((لعن النبي في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له)) [صحيح رواه أبو داود].
ومن أهم العلاجات هو نشر الفضائل بكل أنواعها بين الناس ومحاربة الرذائل بكل أنواعها فإن الحسنة تلد الحسنة، والسيئة تلد السيئة.
وختاماً فيا أيها الناس اتقوا الله واشكروه على نعمه، نعمة الدين ونعمة العقل، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، واعلموا أن الدنيا الغرارة هي أيام تنقضي، والدار الآخرة هي الحيوان لو كنتم تعلمون.
قال تعالى: كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.