تحرص هيئة الأمم المتحدة (U.N Declaration 1988 ) على التفرقة بين ثلاث مستويات لإجراءات الوقاية أولها الوقاية من المستوى الأول أو ما يسمونه بالوقاية الأولية ثم الوقاية من المستوى الثاني ، ثم الوقاية من المستوى الثالث ، وهذه التفرقة بين مستويات الوقاية ، وبخاصة فيما يتعلق بالمخدرات تعد تفرقة مقبولة من الناحية العلمية بل إن هذه التفرقة يتبناها معظم الباحثين المشتغلين بمكافحة المخدرات .
وفيما يتعلق بالوقاية الأولية ( Primary Prevention ) فيقصد بها مجموعة الإجراءات التي تستهدف منع وقوع تعاطي المخدرات أصلا ، ويدخل ضمن الوقاية الأولية جميع أنواع التوعية التي تنحو هذا المنحى ، وكذلك مجموع الإجراءات التي تتخذ على مستوى الدولة من خلال مكافحة عرض المخدرات ( توافر المخدرات في السوق ) سواء كانت إجراءات أمنية أو تشريعية ، ومن ثم منع وقوع التعاطي .
وفي إطار هذا السياق يشير الحميدان ( الحميدان ، 2002 ) إلى أن الوقاية الأولية تتضمن ثلاث أسس أو قواعد لابد من إثارتها وتوضيحها حتى تحقق الوقاية الأولية أهدافها بدرجة عالية من الكفاءة والفعالية ، ويمكن ترجمة هذه القواعد والأسس إلى ثلاث تساؤلات رئيسية ، ويمكن صياغتها وطرحها ، وذلك على النحو التالي :
- إلى من توجه جهود الوقاية الأولية ؟
- ما هي الكيفية التي توجه من خلالها جهود التوعية ؟
- كيف يمكن العناية بالحالات تحت الإكلينيكية ؟
وفيما يتعلق بالإجابة على التساؤل الأول ، فإذا كانت الوقاية الأولية تركز على التوعية ضد أخطار المخدرات ، فإلى من توجه هذه التوعية ؟
يشير كثير من الباحثين المهتمين بمجال مكافحة المخدرات إلى أن هذه التوعية توجه إلى أكثر الجماعات الاجتماعية تعرضاً لاحتمالات التعاطي ، وهم يعنون بذلك الجماعات الهشة أو المستهدفة ويمكن معرفتها عن طريق البحوث والدراسات الميدانية والتي حددت مجموعة من العوامل للكشف عن هذه الجماعات ، يأتي في مقدمتها وجود تنازع للتعاطي أو للإدمان في الأسرة ، والانهيار الأسري الذي يحدث نتيجة للطلاق أو الهجر بين الوالدين ، أو وقوع خلافات شديدة واستمرارها بشكل مزمن ، واختلال الانضباط أو الرقابة الأسرية على الأبناء ، وضعف الوازع الديني ، ومصاحبة رفاق السوء من المتعاطين والمدمنين ، وتدخين السجائر قبل بلوغ سن الثانية عشر ، والظروف السيئة في بيئة العمل أو الدراسة .
وتستهدف برامج الوقاية الأولية منع وقوع التعاطي أصلاً ، وأن هذه البرامج تتجه إلى الجماعات الهشة التي يحددها سويف ( سويف ، 1996 ) بأنها الجماعات التي يكون أفـرادها معرضين أكثر مـن غيرهـم مـن أبناء المجتمع لأن يتورطـوا في التعاطي وربما الإدمـان .
أما فيما يتعلق بالكيفية التي يمكن من خلالها توجيه جهود التوعية ، والأسلوب الأمثل المستخدم في ذلك ، فلقد حدد معظم الباحثين المهتمين بهذا المجال بعض المبادئ التي يمكن الاسترشاد بها في هذا الشأن ، يأتي في مقدمتها الالتزام بالأسلوب التربوي المتكامل بدلا من أسلوب التلقين والالتزام بالحقيقة دون مبالغة ، وتجنب الخوض في التفاصيل الدقيقة ، وتناول موضوع المخدرات كجزء من كل .
وفيما يتعلق بالكيفية التي يمكن من خلالها العناية بالحالات تحت الإكلينيكية ، والتي يقع من بينها بعض أفراد المجتمع الذين كانوا يعانون من بعض المتاعب الجسمانية والذين بدأوا التعاطي لبعض المواد الإدمانية بغرض التداوي لا بغرض الترويح عن النفس ، حيث أشار عليهم بعض الأقارب والأصدقاء أو زملاء العمل بأن يلجأوا إلى مخدر مثل الأفيون ، أو إلى بعض الحبوب المهدئة والمنشطة ...... الخ . ، فاستمعوا إلى النصيحة ، وهكذا أصبحوا مسحوبين ضمن متعاطي المخدرات ، وقد تطول بهم فترة التعاطي ويحسبون ضمن المدمنين . ويستخدم في هذا الصدد اصطلاح تحت الإكلينيكية ، ويشير كثير من الباحثين المهتمين بهذا المجال إلى أن المشكلة الرئيسية التي تواجه هؤلاء الأفراد عدم توافر الخدمات الطبية لا باليسر ولا بالكفاءة المطلوبة في ظل الظروف السائدة في كثير من المجتمعات ، وعلى وجه الخصوص في مجتمعات الدول النامية .
أما المستوى الثاني من الوقاية فيطلق عليه الوقاية من الدرجة الثانية أو الوقاية الثانوية ( Secondary Prevention ) ، فيقصد بها التدخل العلاجي المبكر الذي يمكن من خلاله وقف التمادي في التعاطي لكي لا يصل الشخص إلى مرحلة الاعتماد وكل مـا يترتــب على هـذه المرحلة مـن تداعيات ، ومعنى ذلك كما يشير الحميدان ( الحميدان ، 2002 ) إلى أن الشخص قد أقدم فعلاً على التعاطي ، ولكنه لا يزال في مراحله الأولى ، ومن ثم فإن المستوى الثاني من برامج الوقاية الثانوية تحاول إيقافه عن الاستمرار في التعاطي .
ويستند هذا المستوى من الوقاية على قاعدتين أساسيتين ، تتمثل الأولى في ضرورة وجود خط دفاع أمام فشل المحاولات التي بذلت في إطار برامج الوقاية الأولية ، عملا بالحكمة القائلة : " ما لا يدرك جله لا يترك كله " ، وتحدد القاعدة الثانية في نتائج البحوث والدراسات التي أجريت في هذا المجال وقد أكدت على أن نسبة كبيرة من الشباب الذين يقدمون على تعاطي المخدرات لا يلبثون على التراجع إما بعد خبرة واحدة ، أو بعد خبرتين الأمر الذي يؤكد على أن برامج الوقاية الثانوية تستطيع أن تحقق الكثير من النجاح أمام خفض نسبة الشباب الذين يتراجعون عن تعاطي المخدرات بعد المرور بخبرة أو خبرتين أو حتى ثلاث خبرات ، ولقد أكدت نتائج البحوث والدراسات التي أجريت على الشباب الذين تعرضوا لهذه الخبرات في تعاطي المخدرات ، على أن المشكلة الرئيسية التي تواجه برامج الوقاية الثانوية تتمثل في الكيفية التي يمكن من خلالها الكشف عن حـالات التعاطـي المبكـر ، وإخضاعها لهذه البرامـج ، ومساعدتها على التراجـع فـي الوقـت المناسـب .
وفيما يتعلق ببرامج الوقاية من الدرجة الثالثة ( Tertiary Prevention ) فتوجه أساساً لوقاية المدمن من مزيد من التدهور الطبي والنفسي والاجتماعي ، ومعنى ذلك كما يشير سويف ( سويف ، 1998 ) إلى أن الهدف في هذه المرحلة وقاية المدمن من معظم المضاعفات الطبية والنفسية والاجتماعية التي غالباً مـا تترتـب على استمراره في إدمـان المخدرات .
منقول ..